الجوانب (الغير) المخفية تماماً في فلم Spirited Away

على الأغلب، إذا كنتُ قد حاولت مشاهدة فيلم الأنمي Spirited Away أو المخطوفة في غير أيّام الحجر المنزلي فعلى الأغلب سوف أتوقف عن مشاهدته بعد عشرين دقيقة من بدايته مع انعدام الثقة بأفلام استوديو غيبلي وعدم عودتي إليها. لكن لحظة، الفيلم حاصل على الأوسكار كأفضل فلم أنيميشن في سنته، لابد أنه استحقها! وهكذا أخذت على نفسي المخاطرة وقضيت ساعتين بشكل متقطّع تشغيل/واستئناف أشاهد الفلم حتى أنهيته بـ٧ ساعات تقريباً.

وياله من فيلم مُمِلّ قاتل كارثي غير مفهوم، بدون قصّة ولا حبكة، أشياء غريبة تحصل فيه، بشر يتحوّلون لخنازير، وعناكب على هيئة بشر، ضفادع تتكلّم، وأرواح تأكل الضفادع والبشر، وحمامات قذرة، وكتلة من البراز -حرفيّاً- تريد تنظيف نفسها، وتنانين، وقطار يمشي على الماء، وأوراق مطوّاة تتكلّم، وطفل قبيح وأمّه أقبح منه، وسحر وشعوذات، وعالم غريب أشبه بعالم آليس، وحُب مختبئ في مكانٍ ما وسط كل هذه الفوضى!

بالتأكيد الأنمي الياباني له مُعجَبيه، وأنا لستُ واحداً منهم، أو بالأحرى كنت واحداً منهم، فالخيال الجامح الغير منطقي في أيّ عملٍ أكرهه، ولهذا توقّفت عن الأنمي بعد أن أخذت كفايتي من صراعات الهواء النار والماء والتراب في ناروتو. واليابانيين خيالهم واسع جداً في الأنيميات العادية، فما بالكم بفيلم صُنِع خصيصاً لتعزيز هذا الخيال؟! وهكذا فيلم المخطوفة، فيلم خياليّ بحت، في البداية كرهته وتقززت منه ولم أقبله، لكن بعد الانتهاء منه أخذت على نفسي البحث والتفكير برمزيّات الفيلم التي تحتاج للشرح حقاً على مشاهدٍ عاديّ متقزز مثلي.

ولكن أولاً عن ماذا يحكي الفيلم؟

يحكي قصّة الفتاة تشيهيرو ذات العشر سنوات التي تنتقل مع والديها إلى مدينةٍ جديدة مما سبّب لها حزناً لتركها أصدقائها ومدرستها القديمة. تضيع الأسرة في الغابة ويصلونَ إلى نفق وسط الغابة ويقرّرون دخوله واستكشافه، وهناك يشاهدونَ محلّات ومطاعم قديمة مهجورة، لكن الغريب أن الطعام طازج، لذا يقرّر والديها تناول الطعام على أن يدفعوا الحساب في وقت لاحق. تشيهيرو تبتعد عن أبويها، وعلى ضفّة البحر تشاهد مركباً تنزل كنها مجموعة من الأشباح/الأرواح والمخلوقات الغريبة، فتخاف وترجع لوالديها، وخلال عودتها تكتشف أن المنتزه قد دبَّت فيه الحياة (أو الموت) والأشباح تملأ المكان. عموماً، تصل لوالديها وتكتشف أنهما تحوّلا لخنزيرين شرهين، فتخاف وتهرب من جديد.

image

وهكذا تبدأ مغامرتها، حيث يعثر عليها هاكو البشريّ ويحميها من الأرواح الشريرة ويأخذها إلى مكان عمله، وهو حمّام عام ومطعم، ويطلب منها أن تعثر على مديرة الحمّام يوبابا لتحصل على وظيفة، وأخبرها أنها إذا لم تأكل شيئاً فسوف تختفي، وإذا تنفّست فإن الأرواح ستدرك وجودها وتلتهمها. فيتعيّن عليها العمل في الحمّام لإنقاذ والديها والعودة لمدينتهم.

تبدو قصّة عاديّة صحيح؟ لكن الترميز والمجاز فيها تجعلها أكثر سوداويّة، وتحت هذه القصة العادية الغير ضارة، جانب أكثر قتامة.

بين الحياة الاستهلاكية وفقدان الهوّية:

لعلّ أكثر التفسيرات شهرة للسرياليّة المعروضة في الفيلم نظرة المؤلّف للحياة العصريّة، الحياة الاستهلاكيّة التي لا تُعطي معنى للروح، وكل هدفها هو الأكل والأكل وفقط الأكل، لذلك تكررت مشاهد الأكل في الفلم، منذ بدايته عندما شُبّهت شراهة الإنسان بـ الخنزير عندما تحوّل والدي تشيهيرو إلى خنزيرين وفقدانهما لهوّيتهما البشريّة، مروراً بالروح القذرة (كتلة البراز) التي حينما تمّ تنظيفها أخرجت درّاجات وآلات والكثير من الطعام كناية عن فقدان الحياة الاستهلاكية إيّاها، وانتهاءً للشبح عديم الوجه، الذي كَسِبَ احترام عُمّال المطعم بعدما أغراهم بالذهب وبعد التهامه الطعام بدأ بأكل العمّال أنفسهم ليتحدث بأصواتهم وشخصيّاتهم كناية عن أن توقه للطعام هو في الحقيقة توق لإيجاد هويّة خاصة. وجميع أولئك المخلوقات كان على الطفلة تشيهيرو تطهيرهم، فروح الطفل هو أنقى تصوّر لروح الإنسان قبل أن تتحوّل لروح خاوية.

image

حمام للدعارة؟!

نعم إنه فيلم للأطفال، ونعم هو فيلم بصريّ ممتع أحياناً (بغضّ النظر عن روح البراز) ولكن هذه هي النظرية القاتمة في الفيلم والتي لاقت قبولاً واسعاً لدى الجمهور.

بعد أن تلتقي تشيهيرو بمديرة الحمّام يوبابا، تُعطيها اسماً جديداً، وهذا أمر شائع بين بغايا اليابان كي لا تكشف عن هوّيتها الحقيقية، الاسم الجديد لها هو Sen والذي يعني ١٠٠٠، كناية عن أنها تُقدّم خدماتها بـ ١٠٠٠ ين ربما؟ وتاريخيّاً في اليابان، كانت الحمّامات العامة تستخدم في الدعارى كذلك.

في الفيلم، تلتقي تشيهيرو بـ يونا التي تصبح المشرفة عليها، يمكن ترجمة يونا في اليابانيّة بشكل حرفيّ إلى “فتاة الحمام” وهي المرأة التي تعمل على تقديم خدمات الاستحمام وتدليك العملاء، وتشمل أيضاً خدمات البغاء. ما يدعم النظريّة أيضاً أن جميع زبائن الحمام ذكور. ونرى أيضاً يوبابا الفاحشة الثراء، كمؤشّر على أن الحمّام يربح أموالاً أكثر مما ينبغي، مما يعزّز هذه النظرية.

ما أوصل تشيهيرو إلى هذا المكان بالأصل هو شجع والديها وعدم اهتمامهم بها في المقام الأول، لذلك كان عليهم تسديد هذا الدَين، وتسديده كان عبر ابنتهم التي صارت تعمل في بيت للبغاء، وهذه إشارة أخرى للآباء الفقراء الذين يرمون أولادهم لحاجتهم للنقود.

يمكن القول في النهاية أن الفيلم يحكي عن تجارة الجنس في اليابان، وكيف أن الأطفال مستهدفون فيها. يحكي عن هذا بدون أيّ إشارة واضحة في فيلم يبدو من ظاهرة أنه موجّه للأطفال الذين سيستمتعون برؤية مخلوقات غريبة تتقافز أمامهم.

في النهاية، من الجيّد أني أرضيت نفسي وأقنعتها بأني لم أخسر ساعتين من المشاهدة المتقطعة بدون جدوى !

أضف تعليق

إنشاء موقع إلكتروني أو مدونة على ووردبريس.كوم قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑

تصميم موقع كهذا باستخدام ووردبريس.كوم
ابدأ